Islamic Calligraphy

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان

الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

أهمية الأسبوع في الفلسفة وعلم الفلك وعلم اللاهوت


في أكثر الكتُب الإسلامية التي تتحدّثُ عن علم الفلك نجدُ العديد من المخططات والجداول التي تربط أيّام الأسبوع مع حروف معيّنة من حروف الأبجدية وأسماء إلهيّة معيّنة بالإضافة إلى بعض الكواكب والأبراج. فعلى سبيل المثال، يوضّح ابن العربي في الباب الطويل 198 من الفتوحات المكية[267] خلقَ الله تعالى للعالَم ودور الأسماء الإلهية في خلق الأجزاء المختلفة للسماوات والأرض، ثم يربطُ بين كُلّ اسم إلهيّ والشيء الذي يخلقُه مع حرف من حروف الأبجدية العربية ومنـزلة من منازل القمر الثمانية والعشرين بالإضافة إلى يومٍ من أيّام الأسبوع وأحد الأفلاك السماوية السبع (الكواكب الخمسة مع الشمس والقمر). إنّ هذا النوع من الرمزية يوجدُ أيضاً في العديد من الكُتُب الفلكية الأخرى للأديان والثقافات الأخرى وخاصة تلك التي تتعامل مع التنجيم والأساطير.

من جهة أخرى فقد قسّم المصريون مرّة شهورَهم إلى ثلاثين يوماً كلّ شهر من ثلاثة أسابيع كل منها عشرة أيّام، وبنفس الطّريقة فعل اليونانيون في نفس الفترة تقريباً،[268] لكنهم لاحقاً عادوا إلى الأسبوع من سبعة أيّام.[269] وفي العصر الحديث قام الفرنسيون (أثناء الثورة الفرنسية سنة 1792) بمحاولة جعل أسبوعهم عشرة أيّام بدلاً من سبعة، وكذلك حاول الروس أيضاً (في عام 1929) جعل الأسبوع خمسة أيّام وكذلك ستّة أيّام (في سنة 1932) ثم عادوا جميعاً إلى سبعة أيّام.[270]

إذن ما هي أهميّة الأسبوع ولماذا يجبُ أن يكون سبعة أيّام بشكل خاص، بينما جميع الأنظمة (فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة[271]) التي حاولت أن تجعل الأسبوع ثلاثة أو خمسة أو ستّة أو عشرة أيّام باءت بالفشل ولم تستمر طويلاً، حتى إنّ بعض الكائنات الحيّة المجهريّة تتبنّى بشكل واضح دورة حيويّة من سبعة أيّام.[272] ورغم ذلك، بخلاف اليوم والسنة والشهر، ليس هناك أيّ أهمية فلكيّة ظاهرة للأسبوع إذ لا يحدثُ شيء مخصوص في الأفلاك في دورة سبعة أيّام، بخلاف حركة الأرض التي تحدّد اليوم وحركة القمر التي تحدّد الشهر وحركة الشمس التي تحدّد السنة.

يعتقد البابليون والمصريون القدماء بأنّ كُلّ ساعة من اليوم يحكمها أحد الكواكب السبعة المعروفة آنذاك وهي الكواكب الخمسة (عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل) بالإضافة إلى الشمس والقمر، وبالتالي سمّوا أيّام الأسبوع على أساس أسماء هذه الكواكب السبعة معتبرين أنّ الكوكب الذي يحكم الساعة الأولى من اليوم يحكم كامل اليوم، لذلك أعطوا اسم هذا الكوكب إلى اليوم الموافق له. نفس هذا المذهب كان أيضاً جزءً من علم الفلك الفارسي القديم وكذلك علم اللاهوت. وكذلك يتبنّى ابن العربي نفس هذه الفرضية أيضاً في الفتوحات المكية كما سنرى بعد قليل.[273]

ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أنّ نفس هذه الكواكب السبعة وبنفس التسلسل كانت أيضاً تُستعملُ لتسمية أيّام الأسبوع في الهند القديمة والتِّبت وبورما، وكذلك هو الأمر أيضاً بالنسبة لأسماء أيّام الأسبوع اليابانية الذين استعملوا أيضاً نظام الدرجات الستيني الصيني لتقسيم ساعات اليوم، لكن ذلك يعود فقط لحوالي ألف سنة.[274] وكذلك فعل البابليون في سورية والمصريون القدماء الذين اعتبروا أنّ يوم السبت المُسمّى على اسم كوكب زحل هو اليوم السابع، لذلك بدأوا أسبوعهم بيوم الأحد المسمى على اسم الشمس, وهو ما أكّدته التوراة ومن بعدها بعض الأحاديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم حيث قال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ...،[275] كما سنفصّل ذلك بعد قليل.

ولكن نظام تسمية أيّام الأسبوع في اللغة العربية وفي الإسلام لا يحمل أية إشارات واضحة لأسماء أيّ آلهة وثنية أو أجرام سماوية مع أنّ بعض الأسماء التي استعملت في اللغة العربية قبل الإسلام قد تكون مشتقّة من أسماء الآلهة الوثنية وكذلك من بعض الأعمال التي يقوم بها الناسُ عادة في هذه الأيّام مثل يوم الجمعة الذي كان يدعى يوم العروبة وهو يعني الزينة والجمال لأنّ الناس كانوا يجتمعون فيه ويتزيّنون.[276] ولما جاء الإسلام اعتمد نظام تسمية الأيّام بترتيبها الرقمي من يوم الأحد إلى الخميس ثم يوم الجمعة المشتق من الاجتماع ويوم السبت الذي يعني الراحة ولكن ليس بالمعنى الذي كان يقصده اليهود من أن الله تعالى خلق العالَم من يوم الأحد إلى يوم الجمعة فتعب سبحانه وتعالى فاستراح يوم السبت، وسوف نناقش ذلك في هذا الفصل أدناه. على كل حال فإنّ هذه الأسماء العربية الإسلامية بحد ذاتها تؤكّد أنّ يوم الأحد هو اليومُ الأوّلُ من الأسبوع، كما كان الحال عند البابليّين والمصريّين القدماء وكذلك كما يؤكده ابن العربي وغيره من العلماء المسلمين استناداً على بعض الأحاديث النبوية كما سنرى بعد قليل.

إنّ الفهم العميق لأيّام الأسبوع ومعانيها ودورها في عملية الخلق يشكل أساس رؤية ابن العربي العميقة للعالَم، وذلك اعتماداً على بعض الآيات القرآنية التي تتحدّث عن عملية الخلق وعلى العلاقة بين الأيّام المختلفة مثل التوالج والسلخ الذي سنناقشه في الفصل القادم. وعلى الرغم من أنّ أساس كل ذلك يقبع في العلم الإلهي ولا يبدو له علاقة واضحة بعلم الفلك إلا أنّ ذلك لا شكّ له انعكاسات مهمة في هذا المجال وقد رأينا مثلاً على ذلك أنّ الفهم العميق للأسبوع يعطينا إمكانية الربط الفعلي بين الزّمان والمكان كما فعلت نظريّة النسبية من غير أن تبيّن حتى الآن أساس هذا الترابط.

أخيراً لا بدّ لنا من التأكيد هنا قبل المضيّ قدُماً في شرح هذه الأفكار الغريبة أنّه على الرغم من أن هناك بعض التشابه بين مذهب ابن العربي حول أصل الأسبوع وأيّامه وبين المفاهيم الفلكية القديمة والتي هي نابعة عن ثقافات وثنيّة في غالبيتها، إلاّ أنّ ابن العربي لا يوفّر جهداً في توضيح أنّ هذه المفاهيم رغم صحّة بعضها إلا أنّها لا تعني صحّة هذه المعتقدات الوثنيّة المتعلقّة بها والتي نتجت عن طول الأمد وتداول التعاليم الدينية الأصلية في هذه الثقافات القديمة. فابن العربي على سبيل المثال يؤكّد في القصيدة التي ذكرناها أوّل هذا الفصل أنّ هؤلاء الملائكة السبعة الموكّلون بالكواكب السبعة ليسوا ملوكاً بل هم عبيد لله تعالى وهو الذي وكّلهم في حفظ هذا العالَم ولا يقومون بأي عمل من تلقاء أنفسهم بل طاعةً لله تعالى وتنفيذاً لما يأمرهم به؛ فهو يقول إنّه أراد بالأملاك الأُول (في القصيدة) من الملائكة جمع مَلَك وأراد بالأملاك الثانية من الملوك جمع مَلِك؛ فهو يقول إنّهم مسخَّرون والمسخَّر لا يستحقُّ اسم المَلِك، والسبعة المذكورة هي السبعة الدراري في السبعة الأفلاك الموجودة من السبعة الأيّام التي هي أيّام الجمعة وهي للحركة التي فوق السموات وهي حركة اليوم للفلك الأقصى.[277] فإنّ ابن العربي، اعتماداً على إشارات متكرّرة في القرآن والحديث، يعدّ أنّ هذه الكواكب السبعة، وكذلك الأبراج الأخرى ومنازل القمر وغيرها ترتبطُ ببعض الأرواح أو الملائكة التي عيّنها الله تعالى لإدارة العالَم الذي هو تحتها بما في ذلك الأرض،[278] وهذه الرؤية قد تشبه المذاهب الفلكية السابقة، غير أنّ المُنجّمين (وخاصّة الوثنيين) يعتقدون أنّ هذه الأرواح هي آلهة (أو ملوكاً) بيدها الأمر والنهي والضرّ والنفع، في حين أنّ ابن العربي يُشدّدُ على أنّهم مجرّد عبيد مخلوقين ومعيّنين من قِبل الله سبحانه وتعالى.


[267] الفتوحات المكية: ج2 390-478.

[268] انظر في:

S. A. Goudsmit and R. Claiborne,Time(New York: Time-Life Books, 2ndedn., 1974), p. 24.

[269] انظر في:

Herodotus: The Histories, ed. Walter Blanco, Jennifer T. Roperts, trans. Walter Blanco (New York, London: W. W. Norton & Company, 1992), 2.82 [fifth century B.C.] .

[270] انظر في:

S. A. Goudsmit and R. Claiborne,Time(New York: Time-Life Books, 2ndedn., 1974), p. 24.

[271] في الحقيقة لقد نجحت حضارة المايا باستعمال أسابيع من عشرين يوماً لفترة طويلة. انظر في:

A. F. Aveni,Empires of Time; Calendars, Clocks and Cultures(I.B.Tauris & Co.: London, 1990), p. 101, p. 185-252.

[272] انظر في:

Aveni,Empires of Time, p. 100, and: P. Coveny and R. Highfield,The Arrow of Time; A Voyage through Science to Solve Time's Greatest Mystery(New York: Ballantine Books, 1990), pp. 220-59.

[273] الفتوحات المكية: ج3ص203س31، وانظر كذلك في الباب 348.

[274] انظر في:

The Book of Calendars, ed. F. Parise (New York: Facts On File, 1982), p. 172, 215-18.

[275] كنز العمال: حديث رقم 12251.

[276] انظر في كتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي، تحقيق محمد الديلمي (دار العلامة للكتاب: بيروت، 2002): ص238-244.

[277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4.

[278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


Other Pages Related to Search Keywords:

  • ... Single Monad Model =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Duality Of Time =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Ultimate Symmetry =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Cosmology =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Space-time =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Spacetime =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Speed Of Light =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Supersymmetry =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Islamic Cosmology =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Ibn Al-arabi =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Mohamed Haj Yousef =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Complex Time =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Imaginary Time =>:

  • ... كتاب: بيروت، 2002): ص238-244. [277] الفتوحات المكية: ج1ص293س4. [278] الفتوحات المكية: ج3ص433-434.     البحث في نص الكتاب ...


Welcome to the Single Monad Model of the Cosmos and Duality of Time Theory
Forgot Password? - [Register]

Message from the Author:

I have no doubt that this is the most significant discovery in the history of mathematics, physics and philosophy, ever!

By revealing the mystery of the connection between discreteness and contintuity, this novel understanding of the complex (time-time) geometry, will cause a paradigm shift in our knowledge of the fundamental nature of the cosmos and its corporeal and incorporeal structures.

Enjoy reading...

Mohamed Haj Yousef


Check this detailed video presentation on "Deriving the Principles of Special, General and Quantum Relativity Based on the Single Monad Model Cosmos and Duality of Time Theory".

Download the Book "DOT: The Duality of Time Postulate and Its Consequences on General Relativity and Quantum Mechanics" or: READ ONLINE .....>>>>



Subsribe to Newsletter:


Moonlight floods the whole sky from horizon to horizon. How much it can fill your room, depends on the windows !
Jalaluddin Rumi [The Essential Rumi by Coleman Barks - -]
quote