Islamic Calligraphy

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان

الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

وحدة الله تعالى وكثرة أسمائه


وفقاً لابن العربي وللإسلام عموماً، وكذلك بعض الأديان الأخرى أيضاً، فإنّ الله تعالى واحد وأحد؛ وهذا يعني بأنّه لا يتكثّر ولا يتجزّأ فهو إله واحد (ليس معه غيره) وهو بنفسه أحد أي غير مركّب من أجزاء أخرى سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.[451] بالإضافة إلى ذلك كما تشير إليه هذه الصفة الأخيرة، أي صفة الأحدية، فنحن لا نستطيع وصفه تعالى ككيان واحد (مثل الكيانات الأخرى) أي ذي أبعاد معيّنة كأنّه محدودٌ في مكان أو حادثٌ في زمان، سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً؛ فالله سبحانه مختلفٌ عن الخلق وعن كلّ ما يمكن أن نتخيّل، كما قيل: مهما خطر ببالك فالله خلاف ذلك، وكما قال الله تعالى في سورة الشورى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾. وبالتالي نحن لا نستطيع الوصول إلى معرفة كاملة محيطة بذات الله سبحانه لأن ذلك أمرٌ مستحيل وهو وراء حدود العقل. لكنّنا، على أيّة حال، نستطيع الوصول إلى معرفة بعض صفاته وأسمائه كما هو نفسُه سبحانه وصف لنا نفسَه في القرآن الكريم وعلى لسان أنبيائه ورسله. فكما أشار الباحث وليام جيتيك أنّ الله تعالى بالنسبة لابن العربي معروف فقط من خلال العلاقات والنسب بينه وبين الخلق، أمّا ذاته تعالى فهي مجهولة، لأنّه لا شيء يتعلّق بها مباشرة، فكلّ معرفة قد يصل إليها الإنسان حول ذات الله تعالى هي في النهاية معرفة جزئية وناقصة، وهي معرفة نفيٍ وليست معرفة إثبات؛ فمثلاً نحن نعرف أن الله تعالى ليس جسماً ونعرف أنّه ليس شجرة وليس أرضاً ولا سماءً، فهذه كلّها معارف نفيٍ وسلبٍ، فغاية معرفتنا عن ذات الله تعالى أنّها مختلفة عن أيّ شيء نعرفه.[452] ولقد بيّن ذلك الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي بشكل رائع في صلاواته حيث يقول: ربِّ الإِمكَانُ صِفَتِي، والعَدَمُ مَادَّتِي، وَالفَقرُ مُقَوِّمِي، ووُجُودُكَ عِلَّتِي، وقُدرَتُكَ فَاعِلِي، وأَنتَ غَايَتِي، حَسبِي مِنكَ عِلمُكَ بِجَهلِي، أَنتَ كَمَا أَعلَمُ وَفَوقَ مَا أَعلَمُ بمَا لاَ أَعلَمُ، وَأَنتَ مَعَ كُلِّ شَيءٍ، وَليسَ مَعَكَ شَيءٌ.[453]

ويعود السبب في ذلك إلى أنّنا نعرف الله تعالى فقط من خلال تجليّاته لنا فينا وفي العالَم (أي في الآفاق وفي أنفسهم)، لكنّ تجليّاته هذه لا تتكرّر أبداً، فكما يقول ابن العربي أيضاً في صلواته على النبي محمّد صلى الله عليه وسلّم وهو الإنسان الكامل والجوهر الفرد وهو روح العالَم وهو أكمل صورة للحقّ في العالَم كما رأينا، فيقول إنّه هو هُيُولَى الصُّوَرِ التي لاَ تَتَجَلَّى بإِحدَاهَا مَرَّةً لاثنَينِ، وَلاَ بِصُورَةٍ مِنهَا لأَحَدٍ مَرَّتينِ.[454]

وكذلك يختصر الشيخ الأكبر كلّ ما قلناه في توجّهاته أيضاً في توجّه يوم الأحد، فننقل هنا جزءً جيّداً منه لكونه يشرح بشكلٍ جميلٍ ما نحن بصدده. فيقول مناجياً الله تعالى:

يَا مَن لَهُ الوُجُودُ المُطلَقُ فَلاَ يَعلمُ مَا هُوَ إِلاَّ هُو، وَلاَ يُستَدَلُّ عَلَيهِ إِلاَّ بِهِ، وَيَا مُسخّرَ الأَعمَالِ الصالحةِ لِلعَبدِ لِيَعُودَ نفعُهَا عَلَيهِ، لاَ مَقصُودَ لِي غَيرُكَ، وَلاَ يَسعُنِي إِلاَّ جُودُكَ وَخَيرُكَ. يَا جَوادُ فَوقَ المُرادِ، يَا مُعطِي النَّوَال قَبلَ السُّؤال، يَا مَن وَقَفَ دُونَهُ قَدَمُ عَقلِ كُلّ طَالبٍ، يَا مَن هُوَ عَلَى أَمرِهِ قادرٌ وَغالبٌ، يَا مَن هُوَ لِكُلّ شيءٍ وَاهِبٌ، وَإِذَا شاءَ سَالبٌ؛ أَهُمُّ بالسُّؤالِ فأَجِدُني عَبداً لَكَ عَلَى كُلّ حَالٍ، فَتوَلَّني بأَحوَالي فَأَنت أَولى بِي مِنّي، كَيفَ أَقصِدُكَ وَأَنتَ وَراءَ القَصدِ ! أَم كَيفَ أَطلُبُكَ وَالطَّلَبُ عينُ البُعدِ ! أَيُطلَبُ مَن هُوَ قَريبٌ حاضرٌ ! أَم يُقصدُ مَنِ القَاصِدُ فِيهِ تائِهٌ حائِرٌ ! الطَّلَبُ لاَ يُوصلُ إِلَيكَ، وَالقَصدُ لاَ يَصدُقُ عَلَيكَ. تَجَلّيَاتُ ظَاهِرِكَ لاَ تُلحَقُ وَلاَ تُدرَكَ، وَرُمُوزُ أَسرَارِكَ لاَ تَنحَلُّ وَلاَ تَنفَكّ، أَيَعلَمُ الموجودُ كُنهَ مَن أَوجَدَهُ ! أَم يَبلغُ العبدُ حقيقَةَ مَنِ استعبَدَهُ ! الطَّلَبُ وَالقَصدُ وَالقُربُ وَالبُعدُ مِن صِفَاتِ العَبدِ، وَمَاذَا يُدرِكَ العبدُ بِصِفَاتِهِ مِمَّن هُوَ مُنزَّهٌ مُتَعَالٍ فِي عُلُوِّ ذَاتِهِ ! فَكُلُّ مَخلُوقٍ مَحَلُّهُ العَجزُ فِي موقِفِ الذُلِّ عَلَى بابِ العزِّ عَن نَيلِ إِدرَاكِ هَذَا الكَنزِ. كَيفَ أَعرفُكَ وَأَنتَ البَاطِنُ الَّذِي لاَ تُعرَفُ ! أَم كَيفَ لاَ أَعرفُكَ وَأَنتَ الظَّاهرُ إِليَّ فِي كُلّ شَيءٍ تَتَعَرَّفُ ! كَيفَ أَوَحِّدُكَ وَلاَ وُجُودَ لي فِي عَينِ الأُحَدِيَّة ! أَم كَيفَ لاَ أَوَحِّدكَ وَالتَّوحِيدُ سِرُّ العُبُودِيَّة ! سُبحَانَكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ مَا وَحَّدَكَ مِن أَحَدٍ، إِذ أَنت كَمَا أَنتَ فِي سَابقِ الأَزَلِ وَلاحِقِ الأَبَدِ، فَعَلَى التَّحقِيقِ مَا وَحَّدَكَ أَحَدٌ سِواكَ، وَفِي الجُملَةِ مَا عَرَفَكَ إِلاَّ إِيَّاكَ؛ بَطُنتَ وَظَهَرتَ، فَلاَ عَنكَ بَطُنتَ، وَلاَ لِغَيرِكَ ظَهَرتَ، فَأَنت أَنتَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، فَكَيفَ بِهذَا الشَّكلِ يَنحلُّ، وَالأَوَّلُ آخِرٌ وَالآخِرُ أَوَّل ! فَيَا مَن أَبهَمَ الأَمرَ وَأَبطَنَ السِرَّ، وَأَوقَعَ فِي الحَيرَةِ وَلاَ غَيرَهُ؛ أَسأَلُكَ اللَّهُمَّ كَشفَ سِرَّ الأُحَدِيَّة، وَتَحقِيقَ العُبُودِيَّة، وَالقِيامَ بِحُقُوقِ الرُّبوبيّةِ، بِمَا يَلِيقُ بِحَضرَتِهَا العَليَّةِ، فَأَنَا مَوجُودٌ بِكَ حَادِثٌ مَعدُومٌ، وَأَنتَ مَوجُودٌ بَاقٍ حَيٌّ قَيُّومٌ، قَديمٌ أَزليٌّ عَالِمٌ مَعلُومٌ، فَيَا مَن لاَ يعلمُ مَا هُوَإِلاَّ هُو، يَا هُو، أَسأَلُكَ اللَّهُمَّ الهَرَبَ مِنّي إِلَيكَ، وَالجَمعَ بِجَمِيعِ مَجمُوعِي عَلَيكَ، حَتَّى لاَ يَكُونَوُجُودِي حِجَابِي عَن شُهُودِي، يَا مَقصُودِي، يَا مَعبُودِي، مَا فَاتَنِي شَيءٌ إِذَا أَنَا وَجَدتُكَ، وَلاَ جَهِلتُ شَيئًا إِذَا أَنَا عَلِمتُكَ، وَلاَ فَقَدتُ شَيئًا إِذَا أَنَا شَهِدتُكَ.[455]

ولكنَّ الإنسان على أية حال هو أكثر مخلوق قادر على معرفة الله تعالى،[456] لأن الله عندما خلق آدم (الإنسان الكامل)، جعله خليفة له سبحانه وأسكنه في الجنّة وعلّمه الأسماء كلّها وأسجد له الملائكة كما ذكر سبحانه في سورة البقرة،[457] غير أنّمعرفة الله تعالى عمليّة لا نهائية، لأن الله ليس محدوداً، فهو كلّ يوم في شأن فلا يتجلّىبنفْس التجلّي مرّتين،[458] وأيضاً لأن تجليّاته تكشف بعض صفاته وأسمائه ولا تكشف ذاتَه، لأنّه لو تجلّى بذاته لفني العالَم تلقائيّاً.

فيقول ابن العربي في الباب 371 وهو الباب الذي شرح فيه مراتب العالَم واعتمدنا عليه كثيراً في الفصل الأوّل من هذا الكتاب حيث نقلنا الأشكال التمثيلية التي صوّرها الشيخ الأكبر في هذا الباب، فيقول أثناء شرحه للعماء وما يحويه إنّ الله موصوف بالوجود ولا شيء معه موصوف بالوجود من الممكنات، بل إنّ الحقّ هو عين الوجود، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: كان الله ولا شيء معه،[459] أي أنّ الله موجود ولا شيء من العالَم موجود، فذكر عن نفسه بدء هذا الأمر أعني ظهور العالَم في عينه وذلك أن الله تعالى أحبّ أن يُعرف ليجود على العالَم بالعلم به عزّ وجلّ. وعلم أنّه تعالى لا يُعلم من حيث هويّته ولا من حيث يَعلم نفسه وإنّه لا يحصل من العلم به تعالى في العالَم إلا أن يعلم العالَم أنّه لا يَعلم، وهذا القدر يُسمّى علماً كما قال الصديق رضي الله عنه: العجز عن درك الإدراك إدراك،[460] إذ قد علم أنّ في الوجود أمراًمّا لا يُعلم وهو الله.[461] وكذلك ينقل ابن العربي قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك،[462] وقال الله أيضاً في سورة طه: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)﴾.

من جهة أخرى فقد قال النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: "إِنَّ للهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعِينَ اسْماً، مَائَةٌ إِلاَّ وَاحِداً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"،[463] ولكنّ هذا بالنسبة لابن العربي لا يحصر الأسماء الإلهيّة في تسعة وتسعين، كما قد يسيء أكثر المسلمين فهم مثل هذا الحديث. في الحقيقة إنّ ابن العربي يقول إنّ الأسماء الإلهيّة غير متناهية، بل إنّ كلّ شيء في العالَم هو في النهاية اسم إلهي، لكنّ أسماء الإحصاء التسعة والتسعين هي الأسماء الرئيسية التي وردت في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة.[464] علاوة على ذلك، بالرغم من أن كلّ اسم من الأسماء الإلهيّة مختلف عن الآخرين، لكنّ ابن العربي يؤكّد أنّ كلّ الأسماء متضمَّنة في كلّ واحدٍ منها، بمعنى أنّ كلّ اسم يمكن أن يوصف بجميع الأسماء الأخرى.[465] ولكن لا شكّ أنّ تعدّد هذه الأسماء لا يعني أبداً تعدّداً في ذات المسمّى وهو الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد، ولكنّها صفاتٌ مختلفةٌ ونسبٌ تتعلّق بالخلق؛[466] فالتعدّد ليس صفة ذاتية لله تعالى، وهذه الأسماء المختلفة تتعلق بالخلق، أو كما يقول ابن العربي إنّ أسماء الحق لا تتعدّد ولا تتكثر إلاّ في المظاهر، وأما بالنسبة إليه فلا يحكم عليها العدد ولا أصله الذي هو الواحد، فأسماؤه من حيث هو لا تتصف بالوحدة ولا بالكثرة.[467]

لذلك ففي الحقيقة حتى الأسماء الواحد والأحد وما شابهها ليست أوصافاً ذاتيّةً لله تعالى فيما يتعلق بنفسه، بل فيما يتعلق بخلقه؛ فلولا تصوّر كثرة الخلق ما سمّى نفسه بهذه الأسماء.

فبما أنّ الله تعالى يمكن أن يُعرف فقط من خلال أسمائه التي هي تجلّيّاته على خلقه، وبما أنّ هذه الأسماء غير متناهية، فإنّ معرفتنا بالله لا يمكن أن تكون كاملة. والأسماء الإلهيّة، وهي ليست غير الذات كما قلنا، هي التي تقوم فعليّاً وتظهر في الخلق؛ لذلك نرى تعدّداً وتنوّعاً وكثرةً في الكون.

وفي الحقيقة يقول ابن العربي إنّ كلّ شيء في العالَم هو في النهاية اسم إلهي، وذلك ببساطة لأن كلّ شيء هو سبب نحتاج إليه، والله تعالى يقول في سورة فاطر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)﴾،[468] وقال أيضاً في سورة الحديد: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)﴾، فهو الظاهر في كلّ الأشياء، فالأشياء ليست غيره، لكنّها أيضاً ليست هو سبحانه وتعالى، كما سنوضّح بعد قليل بمزيد من التفصيل.

إذاً يجب أن نأخذ كلّ هذه الأوصاف والأسماء بمعنى تقريبي لأنها كلمات نتكلّمبها في لغتنا الخاصة ونصف بها الخلق، أمّا عندما نستخدمها لوصف الحقّ تعالى فلا يكونمعناها المتداول بيننا دقيقاً، فيقول ابن العربي إنّنا في الحقيقة نعرف أسماء الأسماء، وليس الأسماء نفسها،[469] فبالرغم من أنّ تلك الكلمات المألوفة نفسها هي أسماء لله تعالى لكنّ معانيها الفعليّة تكون متميّزة عندما تُطلق على جلال الله. لهذا السبب فإنّ الله تعالى تسمّى بالاسم الفرد أي إنّه متفرّد بصفاته عن صفات الخلق،[470] وكذلك كلُّ أسمائه موصوفة بالتفرّد. وكما أشار وليام جيتيك فإنّ ابن العربي يعدّ تلك الكلمات التي أنزلها الله إلينا من خلال القرآن والسنة النبوية كأسماءَ إلهية هي الصور الخارجية للأسماء الإلهية بينما تكون معرفة الله الخاصّة بنفْسه هي حقيقة أو معنى هذه الصور.[471] بنفس الطريقة فإنّ الأسماء الإلهية التي يتجلّى الله تعالى بها إلينا في كلّ شيءٍ في الكون هي الصور الخارجية، بينما يكون المعنى الحقيقي لها هو معرفة الله الخاصّة بنفسه. فيقول ابن العربي إنّ الله لما قال في سورة الإسراء: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ... (110)﴾، فجعل الأسماء الحسنى لله كما هي للرحمن، غير أن هنا دقيقة وهي أن الاسم له معنى وله صورة فيُدعى الله بمعنى الاسم ويدعى الرَّحمن بصورته؛ لأنّ الرَّحمن هو المنعوت بالنفَس[472] وبالنفَس ظهرت الكلمات الإلهية في مراتب الخلاء الذي ظهر فيه العالَم، فلا ندعوه إلا بصورة الاسم، وله صورتان صورة عندنا من أنفاسنا وتركيب حروفنا وهي التي ندعوه بها، وهي أسماء الأسماء الإلهية وهي كالخِلَع عليها ونحن بصورة هذه الأسماء التي من أنفاسنا مترجمون عن الأسماء الإلهية، والأسماء الإلهية لها صور من نَفَس الرَّحمن من كونه قائلاً ومنعوتاً بالكلام، وخلف تلك الصور المعاني التي هي لتلك الصور كالأرواح؛ فصور الأسماء الإلهية التي يذكر الحق بها نفسه بكلامه وجودها من نفَس الرَّحمن فله الأسماء الحسنى، وأرواح تلك الصور هي التي للاسم الله خارجة عن حكم النفَس لا تُنعت بالكيفيّة وهي لصور الأسماء النفسانية الرحمانية كالمعاني للحروف.[473]

لذلك مهما تكن معرفتنا بالله تعالى فهي إنّما تعود إلى اسمه الرَّحمن، والفرق بين الاسمين كالفرق بين الصورة والمعنى، وبما أنّ الله تعالى قال في سورة طه: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5)﴾، والعرش يحيط بكل شيء في العالَم، فإنّ كلّ شيء في العالَم يتعلّق بالاسم الرَّحمن الذي استوى على هذا العرش.[474] وسوف نرى في الفصل السادس أنّ الفرق بين الاسم الرَّحمن والاسم الله مثل الفرق بين الجوهر الفرد والعنصر الأعظم، أو بين الكعبة والحجر الأسود، أو بين الجسم والقلب، وكلّ ذلك بسبب علاقة هذه الأشياء بالأسماء الإلهيّة الرَّحمن والله.


[451] للمزيد حول معنى هذه الأسماء الحسنى والفروق بينها، راجع كتاب المسائل: مسألة 139. وكذلك في الباب الختماي الطويل آخر الفتوحات المكّيّة الذي خصّصه ابن العربي لدراسة حضرات الأسماء الإلهيّة (الفتوحات المكية: ج4ص293)، ولقد كتب الشيخ محي الدين كذلك كتاباً صغيراً سمّاه كتاب الأحديّة وقد طبع طبعات عديدة (راجع المصادر والمراجع آخر هذا الكتاب).

[452] الفتوحات المكية: ج4ص301س17.

[453] أوراد أيّام الأسبوع ولياليه (ورد ليلة السبت)، وكذلك في توجهات الحروف (توجّه حرف الصاد).

[454] الصلوات الفيضية (راجع المصادر والمراجع آخر هذا الكتاب).

[455] أوراد أيّام الأسبوع ولياليه (ورد يوم الأحد).

[456] الفتوحات المكية: ج2ص46س33.

[457] راجع سورة البقرة الآيات 30-39، وراجع أيضاً تعليقات ابن العربي على هذا الموضوع في الفتوحات المكية: ج1ص109س3، ج1ص125س28، ج1ص216س13، ج1ص228س13، ج1ص263س19، ج1ص313س29، ج1ص643س33، ج3ص74س2، ج3ص398س15، الخ.

[458] الفتوحات المكية: ج1ص266س10.

[459] رواه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة عن بريدة، وفي رواية: ولا شيء غيره، وفي رواية ولم يكن شيء قبله. وفي صحيح البخاري (الجزء الثاني، الحديث رقم: 3019، والجزء الرابع، الحديث رقم 6982): كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. راجع أيضاً مقدّمة الفصل الثاني.

[460] هذا القول المشهور عند الصوفيّة ينسب لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ويقتبسه ابن العربي كثيراً: (الفتوحات المكية:ج1ص51س7، ج1ص92س1، ج1ص95س2، ج1ص126س14، ج1ص271س6، ج1ص290س2، ج2ص170س8، ج2ص619س35، ج2ص641س12، ج3ص132س35، ج3ص371س21، ج3ص555س17، ج4ص43س5، ج4ص283س16، الخ).

[461] الفتوحات المكية: ج3ص429س5.

[462] كنز العمّال: حديث رقم 2131, وحديث رقم3652، كذلك في الفتوحات المكية: ج1ص126س15، ج1ص271س5.

[463] كنز العمّال: حديث رقم 1933، 1934، 1938.

[464] الفتوحات المكية: ج4ص288س2.

[465] الفتوحات المكية: ج1ص101س5.

[466] الفتوحات المكية: ج1ص48س23.

[467] الفتوحات المكية: ج2ص122س19، يرى أيضاً كتاب المسائل: ص109.

[468] الفتوحات المكية: ج3ص208س7.

[469] الفتوحات المكية: ج2ص56س33.

[470] الفتوحات المكية: ج4ص276س33.

[471] وليام جيتيك، "الطريق الصوفي للمعرفة": 34.

[472] تستند رؤية ابن العربي العميقة للخلق على مفهوم "نَفَس الرحمن" حيث يقول إنّ العالم وكلّ شيء فيه عبارة عن كلمات الله تعالى حقيقة لا مجازاً وهي تتألّف من حروف هي مفردات العالَم وذلك مثل كلام البشر الذي يتألّف من حروف يخلق فيها المتكلّم صورة في ذهن المستمع. راجع هذا الموضوع في الفتوحات المكيّة: ج1ص97س22، ج1ص152س13، ج1ص168س15، ج1ص185س16، ج1ص263-270، ج1ص272-274، ج2ص172س5، ج2ص181س12، ج2ص293س30، ج2ص310س21، ج2ص390س18 وفي كافة أنحاء الفصل الطويل 198 الذي خصّصه الشيخ محي الدين لمعرفة النَّفَس (ج2ص390-478)، بالإضافة إلى ج3ص269س22، ج3ص279س18، ج3ص429س34، ج3ص443س12، ج3ص459س21، ج3ص465س27، ج3ص505س9، ج3ص524س25، ج4ص65س32، ج4ص200س11، ج4ص211س27، ج4ص256س24، ج4ص330س22. وسوف نعود لهذا الموضوع في الفصل السابع أثناء الحديث عن نظريّة الأوتار الفائقة.

[473] الفتوحات المكية: ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89.

[474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


Other Pages Related to Search Keywords:

  • ... Single Monad Model =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Duality Of Time =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Ultimate Symmetry =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Cosmology =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Space-time =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Spacetime =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Speed Of Light =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Supersymmetry =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Islamic Cosmology =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Ibn Al-arabi =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Mohamed Haj Yousef =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Complex Time =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


  • ... Imaginary Time =>:

  • ... : ج2ص396س30. راجع أيضاً "التدبيرات الإلهيّة": ص89. [474] الفتوحات المكية: ج2ص467س21.     البحث في نص الكتاب ...


Welcome to the Single Monad Model of the Cosmos and Duality of Time Theory
Forgot Password? - [Register]

Message from the Author:

I have no doubt that this is the most significant discovery in the history of mathematics, physics and philosophy, ever!

By revealing the mystery of the connection between discreteness and contintuity, this novel understanding of the complex (time-time) geometry, will cause a paradigm shift in our knowledge of the fundamental nature of the cosmos and its corporeal and incorporeal structures.

Enjoy reading...

Mohamed Haj Yousef


Check this detailed video presentation on "Deriving the Principles of Special, General and Quantum Relativity Based on the Single Monad Model Cosmos and Duality of Time Theory".

Download the Book "DOT: The Duality of Time Postulate and Its Consequences on General Relativity and Quantum Mechanics" or: READ ONLINE .....>>>>



Subsribe to Newsletter:


The science of Time is a noble science, that reveals the secret of Eternity. Only the Elites of Sages may ever come to know this secret. It is called the First Age, or the Age of ages, from which time is emerging.
Ibn al-Arabi [The Meccan Revelations: Volume I, page 156. - Trns. Mohamed Haj Yousef]
quote